الخطابية.. كنائس (كفير أبو صربوط)

كتبهامفلح العدوان ، في 12 حزيران 2007 الساعة: 15:00 م

شمال مأدبا..
أقل من كيلومترين، من مركز المدينة، حيث القرية المكتنزة بالتاريخ المحتجب وراء صمتها، وهي الحارسة للذاكرة المستترة خلف اسميها اللذين يحملان دلالة ومعنى وتفاصيل ماضيها الذي يشكل سجل سيرتها المتجددة.
اسمها الأخير هو ”الخطابية”، وهذا موثق الآن في الدفاتر الإدارية الحديثة، وهي معروفة به، ضمن محافظة مأدبا، أما الاسم القديم لها فهو ”كفير أبو صربوط” الذي بقي مقترنا بها مئات السنوات، إلى أن كان قرار تغيير الاسم في نهاية القرن العشرين.

المسلة

يمكن اختصار حكاية القرية، بالقول أنها مزيج من تاريخ مسيحي وإسلامي، وهذا واضح مما تبقى من معالمها القديمة، ومن دلالات اسميها، حيث أن اسمها العتيق، وهو ”كفير أبو صربوط”، الذي يمكن تحليلة الاسم على نحو أن الكفير هي القرية الصغيرة، بينما كلمة صربوط فهي مشتقة من أصل متجذر في المكان، ألا وهو الحجر الطويل الرفيع، ويطلق العرب كلمة صربوط على أعمدة اسطوانية من الحجر، وعلى حجر الرحى، وقد جاءت تسمية كفير أبو صربوط من العمود المميز الواقف وسط الأطلال، وهذا مثبت في القرية حيث كانت تحتوي على كنائس، وكان هناك عمودا، مسلة، في إحداها وهو يشكل بالنسبة للمكان علامة مميزة له، مع وجود أعمدة أخرى، في أماكن مختلفة ولكنها ليست مثل تلك المسلة التي كانت واضحة في الأزمنة الدارسة.

الخليفة عمر

كما أن الاسم الحديث لها غير منبت، ولا بعيد عن الدلالة القديمة للمكان، فهو يحكمه بعد ديني أيضا، حيث أن الخطابية جرى تثبيت اسمها الحديث هذا عام 1976م، عندما أمر المغفور له الملك الحسين، بتغيير أسماء حوالي 40 قرية لأسباب اجتماعية وتاريخية مختلفة، وكان من ضمن هذه القرى، قرية ”كفير أبو صربوط” التي صارت ”الخطابية”، استذكارا لحادثة مرور الخليفة عمر بن الخطاب وخادمه بهذه القرية، وإقامته لليلة واحدة فيها، وكان هناك مسجد مقام في إحدى الكنائس القديمة..وهذا المكان ما زال موجودا في القرية، وفيه المحراب، وبعض أعمدة قديمة، وقد تمت تسميته بالمسجد العمري، لذلك فإنه عند تغيير الاسم كانت هذه القصة، وهذا المسجد، مرجعا وسببا لتسميتها بالخطابية، نسبة إلى ابن الخطاب، وزيارته الشهيرة لهذا المكان.

رحيل الأعمدة.. إلى مأدبا!!

لكن صورة القرية كما يروي عنها كبارها، غير واضحة المعالم الآن لمن يزورها، ذلك أنه لا يوجد من تاريخها العتيق إلا بقايا المسجد العمري، بمحرابه، وأعمدته، أما بقية تفاصيل القرية الأثرية فلا أثر له.
يجيب على بعض التساؤلات حول هذا التغيير الذي طال القرية، ومعالمها، المختار محمد عوض السعيدات ”أبو حازم”، وهو مختار عائلة السعيدات التي تشكل مع عائلة الفروخ، الخريطة الاجتماعية للخطابية.
يقول المختار” أبو حازم”: ” الخطابية كان اسمها كفير أبو صربوط، والصربوط هو العمود..وهي كان بيها خمس كنايس، ما ظل منها غير المكان اللي فيه المسجد العمري..اللي نقل الأعمدة من القرية هم جماعة الآثار، أخذوا أعمدة الكنايس لمادبا، ولمتحف عمان..صار هذا أيام ما كان الدجاني هو مدير الآثار، يعني تقريبا قبل الستينات..بالبداية أخذوا العمدان لموقع مركز الزوار في مادبا، وأتذكر انه كان مسؤول الآثار في مادبا محمد عوده الشوابكه، كان هو اللي يرمم الفسيفساء، بوقتها”.

قلعة..وعمود حجري

الصورة للقرية كما يمكن تخيلها، كنائس، وأعمدة، وكهوف، ونقوش، يمكن رسمها، بمعالم أكثر وضوحا،عند تقليب الكتب التي رصدت سيرة المكان الأولى، وهذا بالنسبة للخطابية، سنحاول رصده من خلال ما كتبه الرائد الانجليزي كوندر، في كتابه (أعمال المساحة في شرق الأردن 1880م)، حيث أنه أفرد أربع صفحات عن قرية ”كفير أبو صربوط”، التي زارها في 16/9/1981م، وهنا يصفها قائلا بأنها ”قرية أثرية، وفيها قلعة مربعة في الشمال الشرقي، وإن هذا المربع، والعمود الحجري المنصوب، هي أهم المواد البارزة، إذ يقف العمود في وسط الجانب الشرقي للبناية التي تبدو فيها قاعة مفتوحة، وقناطر في الجزء الجنوبي منها فضلا عن الشمالي والغربي..
ويقوم العمود على متكأ يرتفع قدمين أو أكثر فوق الساحة في الجهة الشرقية، وقد يكون هذا المظهر الغريب عائدا إلى عوامل الطقس، حيث لا توجد أية آثار تاج أو قاعدة لهذا العمود الحجري، وعلى أية حال فإن هذا العمود أشبه ما يكون بمسلة بارتفاع ثمانية أقدام، كما يبلغ قطره عند القاعدة خمسة أقدام وتسعة إنشات..
ويوجد حجر آخر يبلغ قطره قدما ونصف القدم، وهو في الجانب الشمالي من الساحة. ولكن لم أعثر على أية آثار لأعمدة أخرى، أو لرؤوس أو قواعد أعمدة. ولدى تفقد العنبر وجدت أن قناطر السقف من النمط البيزنطي العادي، تتخلله قناطر من حجارة مشذبة بشكل دقيق..وتوجد أبواب في الجهات الشمالية والجنوبية والغربية، هذه الأبواب مسقوفة بشحف الحجارة، وتقود(الأبواب) من الساحة إلى الغرف الداخلية المسقوفة بالقناطر..
وإلى الجنوب من هذه البناية ذات المسلة المتميزة الغريبة، توجد عدة كهوف، وآبار منقورة، وأساسات من الحجارة، وكثير منها ناعم الأطراف، مدقوقة.. كما شاهدنا تابوتين حجريين مكسورين مستخدمين في جدران واحدة من البنايات مما يدل على أنها بناية متأخرة من حيث تاريخ الإنشاء، أو تاريخ نقر الكهوف.
وهناك بقايا قنطرة، ومدخلها من القوالب المزينة بالنحوت الخفيفة، وذلك على نفس النمط الموجود في بوابة النبي في القدس، ويحتمل أنها تعود للقرن السادس الميلادي.وفي الركن الغربي من الوقع شاهدت بقايا بناء، يبدو أنه كان معبدا صغيرا، إلا أنه تعذّر عليّ تحديد وتمييز مخططه..كما أن بعض حجارة أساساته مدقوقة ناعمة الحواف، وقطر عدد من أعمدته يصل عشرين انشا للعمود الواحد، وهي ملقاة جانبا..).

البرج

يكمل الرائد كوندر وصفه للمكان، من خلال إعطاء صورة بانورامية لأكبر قدر ممكن من تلك المعالم المنتشرة في القرية، في تلك المرحلة التي غطتها زيارته، فيقول: (.. وإلى الشمال من صربوط- أو العمود الذي وصفناه، على أساس أنه السمة الغريبة المميزة لهذا الطلل البالي، وعلى بعد خمسين ياردا من العمود، شاهدت بقايا برج يبدو رسما واضحا للرائي من بعيد، ليكون علامة في هذا المكان..لقد كان البرج مبنيا أصلا بإحكام، وجدرانه عمودية، ولكن بطانته الداخلية مائلة، وإن كانت غير مجبولة وملتصقة به. وهناك باب في الركن الشمالي من البرج، وقد سقطت العتبة العليا الأمامية في داخله، وقد وجدت أن حجارة الباب، والعتبة مشذبة، ومدفونة بشكل ناعم جيد ومربع، أما بقية حجارة الجدران فهي غير متقنة التشذيب والنعومة..
ويوجد في داخل البرج تاج عمود من النمط الكورنثي، وقاعدة بسيطة، وتقف جدران البرج إلى ارتفاع عشرة أقدم..وتوجد كهوف على أبوابها بنايات من الحجر، فضلا عن ممرات تقود إلى الأسفل، والأمر نفسه يتكرر إلى الغرب من البرج..).

موقع أثري مسيحي

أما التقييم النهائي لوضع القرية، ولتاريخها، وللمرحلة التي يمكن إرجاعها إليها، فإن الفقرة الأخيرة من زيارة كوندر تعطي تلخيصا لها، حين يقول: (.. وقد عثرت على بناية إلى الغرب من البرج حيث لم يبق منها إلا القواعد وأعمدة ملقاة على الأرض، فضلا عن قناطر أصابها التدمير بينما بقي على الأرض بجوارها القريب حجر عتبة مكسور في أحد طرفيه، وهو بارتفاع قدم وتسعة انشات، وبقي من طولها أربعة أقدام وبضعة انشات، ومنحوت عليها صليب غريب بعرض قدمين، وبارتفاع نصف قدم مشعب الأطراف، وبذلك فإن لدينا الدليل أن ”كفير أبو صربوط”، هو موقع أثري مسيحي والحال نفسه ينطبق على المواقع المجاورة له، ومن المحتمل أنه يعود إلى مطلع القرن الرابع الميلادي، ذلك أن البنايات الموجودة هنا من نفس النمط والهندسة).

حوض السيسبان

بعد تقليب الحجارة الأثرية للمكان، صار لا بد من العودة إلى الحياة الاجتماعية، إلى الناس واستقرارهم في الخطابية، حيث يتحدث المختار محمد السعيدات، عن ذلك موضحا أنهم في القرية ينتمون إلى عائلتين هما السعيدات والفروخ، ولكل عائلة مختارها، فهو مختار السعيدات منذ عام 1961م، بينما مختار الفروخ هو ”أحمد صالح الغافل”، وقد كان أهل القرية قبل حوالي 300 سنة مستقرين في جبل بني حميدة، وبسبب ظروف اجتماعية في تلك الفترة انتقلوا إلى هذه المناطق، ”يعني كانت كل عشيرة تحط ايدها على قرية، فتصير إلها بوضع اليد، وكانوا يستقروا فيها، وبعدين يقسموا الأراضي بينهم، وهذا صار هان بالقرية، واجدودنا أول ما اجو لقوا فيها مغاير، وبيوت قديمة رومانية وبيزنطية فسكنوا بيها، وبالصيف كانوا يسكنوا ببيوت الشعر..”.
ثم يعرج على أحواض القرية، وتسميتها التي تحمل بعضا من قصص اجتماعية حول القرية، حيث أن الخطابية تقسم إلى خمسة أحواض هي حوض 1 حنو الكفير، وهو حوض البلد، والتسمية نسبة إلى الاسم القديم للمكان، أما الحوض 2 فهو حوض السيسبان، والاسم لأن ” أهلها سابوها، وتركوها”، وحوض 3 الماحلة ”مرتبط بأيام المحل”، وحوض 4 غبنة ” هذه الارض غبنت اللي قدامها، وظلمتهم”، أما حوض 5 فهو حوض محفوظ فكان ”أهله من بلي من عيلة المحفوظ، ويردوا شخاترة”.

معصرة عنب

ويضيف المختار أبو حازم أنه كان في القرية آبار جمع قديمة، اندثرت، وهناك أيضا معصرة عنب قديمة في شمال القرية، وهذه خربت وتدمرت، وبالعودة إلى بحث الدكتور محمد عدنان البخيت حول المرافق العامة في منطقة شرق الأردن، نلاحظ أنه قد أشار إلى رسالة ماجستير لاسماعيل ملحم عنوانها معاصر عنب اليصيلية، وفيها ذكر لوجود معاصر للعنب في منطقة كفير أبو صربوط الواقع شمالي مأدبا.

سيرة قرية

تقع الخطابية إلى الشمال من مركز مدينة مأدبا، على مسافة أقل من 2كم، حيث تحدها قرية المأمونية من الشرق، وقرية الفيصلية من الغرب، وقرية جرينة من الشمال، ومن الجنوب المستشفى القديم. وتتبع اداريا إلى بلدية مأدبا الكبرى، وإلى لواء القصبة من محافظة مأدبا..
الديموغرافيا: يبلغ عدد سكان الخطابية 1068 نسمة( 524 ذكورا و544 إناثا)، يشكلون 191 أسرة، تقطن في 260 مسكنا.
ويعتمد أهل القرية في معيشتهم على الوظيفة الحكومية، والعمل في القوات المسلحة، والزراعة.
التربية والتعليم: يوجد في القرية مدرستان هما مدرسة الخطابية الأساسية للذكور، ومدرسة الخطابية الأساسية للإناث، وهما مستأجرتان من المواطنين.
وهناك مدرسة جديدة هي مدرسة ثانوية للإناث، قدمت كمنحة من الحكومة الألمانية، هي جاهزة ولم تستلمها وزارة التربية حتى الآن. كما أنه توجد في القرية أرض مستملكة من أجل بناء مدرسة ثانوية للذكور، ولم يتم البناء فيها حتى الآن.
الصحة: يوجد مركز صحي شامل بين قرية الخطابية وقرية جرينة.
* جميع الخدمات التي تحتاجها القرية تحصل عليها من مأدبا وذلك لقربها من المدينة، وتلاصقها معها.

اعداد وتصوير: مفلح العدوان

تعليقات

‏قال عزيز قوم ذل…
الله يعطيك العافيه د مفلح العدوان وماعليك زود.
لكن !!!
ماذا عن(عياد) وماكان دوره في ذلك الوقت!!!؟
ولك جزيل الشكر