وقائع أحداث هبّة نيسان 1989: بدأت بأعمال عنف من معان، وانتهت بمذكرات وبيانات في أرجاء البلاد

وقائع أحداث هبّة نيسان 1989: بدأت بأعمال عنف من معان، وانتهت بمذكرات وبيانات في أرجاء البلاد

2009-04-19

حسين عبد الحميد ـ كل الاردن - سادت مدينة معان يوم 17/4، وهو اليوم التالي لقرار رفع أسعار المحروقات والعديد من السلع الأساسية، أجواء من القلق والتوتر، وبات حديث الأسعار على كل لسان، وراح الناس يكيلون الشتائم علناً للحكومة.

وفي المساء لوحظت حركة غير عادية في أوساط سائقي سيارات الأجرة على الخطوط الداخلية والخارجية، وكان ذلك مؤشراً على عمل احتجاجي يعدون له. وفي الساعة الخامسة من فجر يوم الثلاثاء 18/4، امتنع سائقو سيارات الخط الخارجي من التحرك نحو عمان احتجاجاً على ثبات الأجرة. ومع أن أحد مراقبي السير “تطوع” بالموافقة لهم على رفع الأجرة، فإنهم أصروا على الحصول على كتاب رسمي بذلك من وزير الداخلية!! غير أن وزارة الداخلية تعتمد رواية أخرى تقول إن الأمر جاء من وزير الداخلية، آنذاك، رجائي الدجاني، الذي قال إنه وجّه أوامره إلى محافظي إربد ومعان “بتعديل التعرفة فوراً وقبل صدور قرار رفع الأسعار في الصحف، تفادياً لحدوث أية مشكلات. وانتهى الإشكال فعلاً في إربد، إلا أن الأزمة تفاقمت في معان”، حسبما جاء في كتاب “معان أزمة مفتوحة” الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية العام 2003.

وفي الصباح، تجمع السائقون وأغلقوا مكاتب سيارات التاكسي. وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف التحق طلاب مدارس ومواطنون من سائر الأحياء بتجمع السائقين، وانطلقت تظاهرة حاشدة من وسط المدينة في اتجاه مبنى المحافظة وهي تهتف ضد ارتفاع الأسعار وضد الحكومة ورئيسها شخصياً. وفي الطريق إلى المحافظة مروراً بشارع البنوك، حافظت التظاهرة على طابعها السلمي رغم مرور المتظاهرين بالعديد من المؤسسات والمحال التجارية والبنوك، وحتى ببعض سيارات الشرطة. وقبل وصول المتظاهرين إلى مبنى المحافظة المقابل لمديرية شرطة معان لرفع مطالبهم إلى السلطات، كانت قوى الأمن قد أعدت نفسها لتفريق المتظاهرين بالقوة، فراحت تطلق عليهم القنابل المسيلة للدموع والعيارات النارية، فجرحت مواطناً بالرصاص ما ألهب مشاعر المتظاهرين الذين لجأوا إلى رشق رجال الأمن بالحجارة وإشعال النار في سيارة للشرطة وتكسير زجاج المحافظة ومديرية الشرطة.

وتوجهت مجموعات من المتظاهرين إلى مبنى الدوريات الخارجية حيث اُستقبلت بإطلاق الرصاص، فردت بالحجارة وأضرمت النار في ثلاث سيارات للدوريات الخارجية، ثم اتجهت هذه المجموعات إلى مركز أمن المدينة الذي راح يطلق بدوره القنابل المسيلة للدموع والرصاص، فرجم المتظاهرون العديد من سيارات الشرطة بالحجارة وكسروا زجاجها، كما أحرقوا سيارة تابعة لمديرية شرطة معان وأخرى للأمن العسكري.

الساعة الواحدة ظهراً، دخلت مدينة معان ثلاث سرايا تابعة لقوات البادية قادمة من الجفر، وكانت المؤسسة الاستهلاكية قد أوقفت بيع بعض السلع من أجل إعادة تسعيرها. كل هذا فاقم الوضع، فامتد العنف إلى المؤسسات المصرفية والتجارية الكبيرة وضد المراكز الحكومية وبعض المرافق العامة مثل مبنى ضريبة الدخل وبنك الإسكان والمؤسسة الاستهلاكية المدنية. ومع دخول قوات البادية إلى المدينة، تعرض المواطنون إلى مزيد من القمع، وأدى إطلاق الرصاص إلى قتل مواطنين وسقوط أكثر من عشرة جرحى.

وقبل موعد الإفطار الرمضاني بقليل، دخلت إلى المدينة قوات لواء الأمن بأطقمها وآلياتها. ومع تجدد التظاهرات في الشوارع بعد الإفطار، ردت قوات الأمن بتصويب الرصاص على المتظاهرين، فأصيب خمسة مواطنين بجروح خطيرة نقلوا إثرها إلى مستشفى معان الحكومي، حيث فارق بعضهم الحياة في وقت لاحق. وهنا لجا المواطنون لاستخدام السلاح، وحرقوا مبنى مؤسسة المواصلات والمركز الطبي في المدينة.

وامتد لهيب التظاهرات إلى مناطق أخرى في محافظة معان وإلى الشمال نحو الطفيلة فالكرك فمادبا فباقي مناطق المملكة.

استمر حظر التجول في معان من صباح 21/4 حتى 24/4، ثم رفع جزئياً بين 25 و29/4. بلغ عدد المعتقلين في محافظة معان نحو 500 معتقل. وشملت الأنشطة الاحتجاجية بأنواعها في الفترة من 18 إلى 24/4، المدن والبلدات التالية: معان، المريغة، الجفر، السويمرة، قاع النقب، بة حانوت، الشوبك، الحينية، الهاشمية، أذرح، الجرباء، القويرة، وادي موسى، الطيبة، الحميمة، طاسان، العقبة، قاع النعيمات، الثلالة، والمدورة. وفي محافظة الطفيلة شهدت الطفيلة، الحسا، بصيرا، جرف الدراويش، العيص، والنمقة، أنشطة احتجاجية.

التحركات الاحتجاجية في محافظة الكرك شملت الكرك، المزار، جدعا اليايدة، الربة، القطرانة، الحديدة، غور الصافي، فقوع، مؤتة، وعي. وبلغ عدد المعتقلين 47 شخصاً. وفي محافظة البلقاء امتدت الأنشطة الاحتجاجية إلى السلط، وادي شعيب، ماحص، الفحيص، وعين الباشا. وبلغ عدد المعتقلين ثمانية في السلط والفحيص.

وفي محافظة إربد بلغ عدد المعتقلين 66 شخصاً، ثلثهم من طلبة جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا. وغطت أنشطة الاحتجاج مناطق إربد، الطيبة، غيدون، حوشا، المصطبة، عنجرة، دير أبو سعيد، المزار الشمالية، عجلون، الزمال، والسموع. فيما شملت الأنشطة الاحتجاجية في محافظة المفرق، كلاً من المفرق، منشية بني حسن، مغير السرحان، سما السرحان، والدفيانة.

وفي محافظتي العاصمة والزرقاء، بلغ عدد المعتقلين 82 شخصاً. وغطت أنشطة الاحتجاج المواقع التالية: عمان بما فيها الجامعة الأردنية، ناعور، الزرقاء، النقيرة، الجيزة،، مادبا، ذيبان، الجويدة،، مرج الحمام، الهاشمية، ياجوز، منجا، حنينا، الفيحا، سحاب، وادي السير، الرصيفة، زيزياء، الفيصلية، المقصوبية، تلاع العلي، وأم الحيران.

مذكرات وبيانات :

إلى جانب التحركات الشعبية التي بدأت في معان فجر يوم 18/4، والتي استمرت بشكل متقطع في مناطق مختلفة حتى يوم 24/4، شهدت المملكة أوسع حركة غير مسبوقة من المذكرات والبيانات التي بلغ عددها 25 مذكرة وبيانأ، خلال الفترة من 19/4، حتى أوائل حزيران/يونيو، منها عشر بيانات، و15 مذكرة، منها ثلاث للأمير الحسن، ولي العهد ونائب الملك، وثمان وجهت للملك الحسين بعد عودته، وأربع لزيد بن شاكر الذي خلف زيد الرفاعي في رئاسة الحكومة.

أهم هذه المذكرات ارتباطاً بسياق تطور الأحداث، كانت مذكرة الكرك التي وجهتها فعاليات المدينة إلى الأمير الحسن. وتكمن أهميتها في أنها كانت أول مذكرة تصدر بعد أعمال العنف في معان وتعطي للتحركات الشعبية آنذاك طابعاً سياسياً، ما ساعد في تسييس التحركات اللاحقة وتخفيف الميل نحو العنف.

ففي الساعة الحادية عشرة من صبيحة يوم 19/4، التقت حوالي 60 شخصية من فعاليات المدينة ورؤساء البلديات في المحافظة في غرفة التجارة. وتوصل المجتمعون إلى صياغة مذكرة بمطالب أهل الكرك، وتسليمها للمحافظ. تضمنت المذكرة المطالب الرئيسية التالية: استقالة حكومة زيد الرفاعي، تشكيل حكومة وطنية تستجيب لمطالب الشعب، محاسبة المسؤولين عن الفساد واختلاس المال العام أياً كان موقعهم، إلغاء قرارات رفع الأسعار، إجراء انتخابات نيابية حرة نزيهة واستبدال قانون الانتخاب بقانون انتخاب عصري وديمقراطي، إطلاق الحريات العامة، التضامن الفعّال مع انتفاضة الشعب الفلسطيني ونضاله لاسترداد حقوقه الوطنية.

المذكرة الثانية من حيث التوقيت، كانت مذكرة النقابات المهنية التي وجهت إلى الأمير الحسن يوم 20/4، وطالبت بالإيعاز إلى المسؤولين بضبط النفس والتوقف عن مقابلة مظاهر الاحتجاج بالقوة المسلحة. وشددت المذكرة على أن “المجيء بحكومة وطنية قوية أمينة يراقبها برلمان منتخب بنزاهة لهو ضمان رئيسي لبقاء البلد واستقراره. وأن محاسبة المسيئين تردع كل من تسول له نفسه التلاعب بمقدرات البلاد.. كما أن إعادة النظر في الإجراءات الاقتصادية وتحميله للشرائح القادرة التي استفادت من الأوضاع السابقة، لأمر أساسي للاستقرار ولسلامة المرور من هذه الأزمة”.

كما أصدر وجهاء من قبيلة بني صخر بياناً يوم 20/4، أعادوا التأكيد عليه في بيان لاحق أصدروه يوم 24/4 وقعته 65 شخصية. واشتمل البيان تقريباً على النقاط ذات الصلة بالوضع المحلي التي جاءت في مذكرة الكرك، لكنّه خص بالذكر المطالبة بإلغاء الأحكام العرفية المفروضة منذ العام 1967، وإطلاق سراح المعتقلين خلال الأحداث.

من بين أهم المذكرات والبيانات اللاحقة التي تركت بصماتها على المناخ العام في البلاد، مذكرة وجهتها شخصيات وطنية إلى الملك الحسين يوم 27/4، ووثيقة أبناء السلط الموجهة للملك الحسين يوم 28/4، إذ تميزت كل من هاتين الوثيقتين بأنها قدمت تحليلاً للأزمة من حيث الأسباب والتداعيات، وقدمت إطاراً للمعالجة الاقتصادية والديمقراطية للوضع.

أما المذكرات والبيانات الأخرى، فقد صدر من ضمنها وثائق بأسماء فعاليات في مدن من خارج العاصمة مثل فعاليات مادبا (20/4)، أهالي الفحيص (25/4)، أبناء مدينة العقبة (20/5)، فعاليات لواء مادبا وقعتها 29 شخصية (30/5)، ثم أهالي مدينة الزرقاء، وأهالي مدينة المفرق، وأهالي مدينة إربد (حزيران/يونيو). كذلك صدرت مذكرتان عماليتان، ومذكرتان نسائيتان، وخمس بيانات شبابية، ومذكرة مثقفين وثانية عن النقابات المهنية، وثالثة عن تجمع جمال الشاعر، ورابعة عن العين السابق نايف الخريشا.

السجل

تعليقات